سورة التوبة - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله: {مَّاتَ} صفة لأحد، و{أَبَدًا} ظرف لتأييد النفي. قال الزجاج: معنى قوله: {وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن الميت وقف على قبره، ودعا له، فمنع ها هنا منه؛ وقيل: معناه: لا تقم بمهمات إصلاح قبره، وجملة: {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ} تعليل للنهي. وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر؛ لأن الكافر قد يكون عدلاً في دينه، والكذب، والنفاق، والخداع، والجبن، والخبث، مستقبحة في كل دين. ثم نهى رسوله عن أن تعجبه أموالهم وأولادهم. وهو تكرير لما سبق في هذه السورة وتقرير لمضمونه؛ وقيل: إن الآية المتقدّمة في قوم، وهذه في آخرين. وقيل: هذه في اليهود، والأولى: في المنافقين. وقيل: غير ذلك.
وقد تقدّم في الآية الأولى جميع ما يحتاج إليه في تفسير هذه الآية.
ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين، فقال: {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ} أي: من القرآن، ويجوز أن يراد بعض السورة، وأن يراد تمامها؛ وقيل: هي هذه السورة: أي سورة براءة، و(أن) في {أَنْ آمِنُواْ بالله} مفسرة لما في الإنزال من معنى القول، أو مصدرية حذف منها الجارّ: أي: بأن آمنوا، وإنما قدّم الأمر بالإيمان، لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلا بعد الإيمان: {استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ} أي: ذوو الفضل والسعة، من طال عليه طولاً، كذا قال ابن عباس والحسن، وقال الأصمّ: الرؤساء والكبراء المنظور إليهم، وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم، إذ لا عذر لهم في القعود {وَقَالُواْ ذَرْنَا} أي اتركنا {نَكُنْ مَّعَ القاعدين} أي: المتخلفين عن الغزو من المعذورين، كالضعفاء والزمنى، والخوالف: النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت. جمع خالفة، وجوّز بعضهم أن يكون جمع خالف، وهو من لا خير فيه: {وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} هو كقوله: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وقد مرّ تفسيره {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} شيئاً مما فيه نفعهم وضرهم، بل هم كالأنعام.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول، أتى ابنه عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: «إن ربي خيرني وقال: {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} وسأزيد على السبعين» فقال: إنه منافق، فصلى عليه، فأنزل الله: {وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} الآية، فترك الصلاة عليهم.
وأخرج ابن ماجه، والبزار، وابن جرير، وابن مردويه، عن جابر، قال: مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأن يكفنه في قميصه، فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره، فأنزل الله: {وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مرديه، عن ابن عباس، في قوله: {أُوْلُواْ الطول} قال: أهل الغنى.
وأخرج هؤلاء، عن ابن عباس، في قوله: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} قال: مع النساء.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، في الآية قال: رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، قال: الخوالف النساء.


المقصود من الاستدراك بقوله: {لكن الرسول} إلى آخره: الإشعار بأن تخلف هؤلاء غير ضائر، فإنه قد قام بفريضة الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية كما في قوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بكافرين} [الأنعام: 89].
وقد تقدّم بيان الجهاد بالأموال والأنفس، ثم ذكر منافع الجهاد فقال: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخيرات} وهي: جمع خير، فيشمل منافع الدنيا والدّين، وقيل: المراد به: النساء الحسان، كقوله تعالى: {فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ} [الرحمن: 70] ومفرده خيرة بالتشديد، ثم خففت مثل هينة وهينة: وقد تقدّم معنى الفلاح، والمراد به هنا: الفائزون بالمطلوب، وتكرير اسم الإشارة لتفخيم شأنهم وتعظيم أمرهم، والجنات: البساتين.
وقد تقدم بيان جري الأنهار من تحتها، وبيان الخلود والفوز، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم من الخيرات والفلاح، وإعداد الجنات الموصوفة بتلك الصفة، ووصف الفوز بكونه عظيماً يدلّ على أنه الفرد الكامل من أنواع الفوز.
وقد أخرج القرطبي في تفسيره، عن الحسن أنه قال: الخيرات: هنّ النساء الحسان.


قرأ الأعرج والضحاك {المعذرون} بالتخفيف، من أعذر، ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس. قال في الصحاح: وكان ابن عباس يقرأ: {وجاء المعذرون} مخففة من أعذر، ويقول: والله هكذا أنزلت. قال النحاس: إلا أن مدارها على الكلبي، وهي من أعذر: إذا بالغ في العذر، ومنه: من أنذر فقد أعذر أي: بالغ في العذر. وقرأ الجمهور {المعذرون} بالتشديد ففيه وجهان، أحدهما: أن يكون أصله المعتذرون فأدغمت التاء في الذال، وهم: الذين لهم عذر، ومنه قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فالمعذرون على هذا: هم المحقون في اعتذارهم.
وقد روي هذا عن الفراء، والزجاج، وابن الأنباري، وقيل: هو من عذّر، وهو الذي يعتذر ولا عذر له، يقال عذر في الأمر: إذا قصر واعتذر بما ليس بعذر، ذكره الجوهري وصاحب الكشاف؛ فالمعذرون على هذا: هم المبطلون، لأنهم اعتذروا بأعذار باطلة لا أصل لها.
وروي عن الأخفش، والفراء، وأبي حاتم، وأبي عبيد، أنه يجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع. والمعنى: أنه جاء هؤلاء من الأعراب بما جاءوا به من الأعذار بحق أو بباطل على كلا التفسيرين؛ لأجل أن يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف عن الغزو، وطائفة أخرى لم يعتذروا، بل قعدوا عن الغزو لغير عذر، وهم منافقو الأعراب الذين كذبوا الله ورسوله، ولم يؤمنوا ولا صدّقوا، ثم توعدهم الله سبحانه، فقال: {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أي: من الأعراب، وهم الذين اعتذروا بالأعذار الباطلة، والذين لم يعتذروا، بل كذبوا بالله ورسوله {عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: كثير الألم، فيصدق على عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.
وقد أخرج ابن المنذر، عن ابن عباس، في قوله: {وَجَاء المعذرون مِنَ الأعراب} أي: أهل العذر منهم.
وروى ابن أبي حاتم، عنه، نحو ذلك.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عنه أيضاً أنه كان يقول: «لعن الله المعذرين» ويقرأ بالتشديد كأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد: هو المظهر للعذر اعتلالاً من غير حقيقة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن إسحاق، في قوله: {وَجَاء المعذرون مِنَ الأعراب} قال: ذكر لي أنهم نفر من بني غفار، جاءوا فاعتذروا، منهم خفاف بن إيماء؛ وقيل: لهم رهط عامر بن الطفيل، قالوا: إن غزونا معك أغارت أعراب طيئ على أهالينا، ومواشينا.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11